اهلا بك في سبيتي و منصور…. ((الجزء الثالث))

 

((ان كنت تملك عقلا  يفكر ويحلل ويمحص  فلابد  من ان  تدفع ضريبته))

عندما  كنت في العاشرة من  عمري , كان اخي  الذي يصغرني باربع  سنوات   قد وصل الى سن النضج  الشيطاني( الفترة مابين  6-الى 10 سنوات) ,  وبدات علامات سلوكه المشاغبة  تظهر واضحة مبشرة والداي  بالكثير  من المعاناة المرتقبة   !!

 شيطنة اخي لم  تمنعه من ان يكون  محبوبا من الجميع  …  ربما لان اغلب  شيطنته كانت تاخذ  طابعا  كوميدياً هزلياً , فكان   كل  من يراه  يحبذ  مصادقته  والتعرف عليه عن قرب  , خصوصا من الاخوة الليبيين  الذين تشابه معهم في الطباع شكلا  ومضمونا … فكان كل من يراه  للوهلة الاولى  لا يصدق انه لبناني ابا عن جد بل يعتقد  بانه ليبي ابن  ليبي  لان طباعه  تشبه طباع ابناء القبائل التي تسكن المنطقة الشرقية من ليبيا  والتي يعيش اهلي في كنفها حتى هذه اللحظة     !!!

اتذكر اخي الحبيب هذا الان وانا  اقف على الشرفة رافعا راسي الى السماء  متاملا النجوم  ….

في قلب مجمع سبيتي  ومنصور  بمنطقة الكفاءات  في الضاحية الجنوبية

لماذا اتذكره  هذه  اللحظة  ….

هههههههههههه

.ساقول لكم ..

((جاييكم بالحكي  )) 

كنت متعودا قبل النوم ان افرش اسناني  فكان اخي الصغير  يقتنص هذه اللحظة بالذات ليقفز الى الحمام – ليفرش اسنانه  ايضا (( كان يخاف  من الذهاب الى الحمام وحيدا لان هناك دائما الغول اياه  ..الذي ليس لديه  شاغلا سوى التفكير في التهامه ))

لذلك لم اكن اتفاجا به  حينما كان يقف بيني وبين المرآة  شاهرا  بوجهي  فرشاته الصغيرة لاضع له  بعض المعجون…

 كان مايضايقني فيه ان هناك عادة سيئة اكرهها ولا اطيقها  قد تعلمها في ذلك الوقت من افلام  الكارتون , وهي عندما يفرش اسنانه يضع ماءا في  فمه  ويفتحه لاعلي مغرغرا  ما في حلقه  مصدرا صوتا مزعجا لم يكن يقطعه سوى ((سحسوح)) سريع مني مشفوعا  بنظرة نارية  تطفئ حماسه  لهذه العادة السخيفة  التي  -وللاسف- لم يتخلى عنها  تماما حتى عندما كبر بدعوة ان الغرغرة مع الفم المفتوح تساعد  في تعقيم الحلق !!

  كيف  توصل الى هذه النظريه…..فالله  يعلم !!

مادخل هذا بموضوعنا  ؟ 

  .. ((جاييكم  بالحكي))

ان ما ذكرني به هذه  اللحظات هو صوت الغرغرة المزعج  هذا  الذي اعتبره  من اكثر الاصوات ازعاجا في الحياة  !!

صوت الغرغرة  الذي يلاحقني  في كل  مكان اذهب اليه  بشكل مطرب  ((غرغري بلغمي ))  الصوت  له  الكثير  من المعجبين  والمعجبات الذين  ينتعشون  عند  سماع  صوته !!

 مطرب ٌ اسمه  ((جورج  وسوف )) !!

هذا المطرب الذي كلما سمعته وسمعت احدا يقلده   شعرت  برغبة عارمة في تسليك  حنجرته  باول عصاة مكنسة  اجدها  !!!

 المضحك هو  انني عندما خرجت من ليبيا كان يغني ((يوم  الوداع )) !!

 وعندما اتيت الى لبنان  كان  يصدح ب ((سلف ودين ))  وكانه  يقرا طالعي متهكما عليا عارفا ما ستؤول اليه حياتي هنا!!

 والاكثر من هذا  كله انه في هذه  اللحظة اسمعه مخترقة نخاع عظمي  عبر ميكرفونات جارنا (المذوق )  صارخا   

((بيقولوا الصبر طيب  كفاية العمر عدا وانا  واقف مكاني )) –

حتى باغنيته هذه كأنه يشمت  ويتهكم  !!!

***

 تركت مكاني بعد ان شعرت ان النجوم تهتز وتوشك على السقوط  جراء علو  الصوت البلغمي  اكثر ..

 اتجهت الى شرفة الاخرى للمطبخ   التي لم يكن الوضع عندها احسن حالا لان جارنا الثاني كان يضارب على الاول  ولكن هذه المرة باغنية همجية بعض الشيء تقول  كلماتها :

(( اللي بيرميك بوردة براسو  بخرطش فردي *))

من الطبيعي ان تكون هذه الاغنية مرغوبة جدا في الضاحية لان  (( الفرد  دايما مخرطش )) والسلاح تحت كل بط …والفرسان كثر … و الشرف الرفيع لا يسلم من الاذى ….. الخ

تتوالى كلمات الاغنية التي تعبر عن “اجحش” طريقة ممكنة للحب   ….

 اتعجب عندما اكتشف ان من يستمع لهذه الاغنية بهذا الصوت العالى فتاة

 يتمايل راسها  طربا مع اللحن والكلمات, حالمة  بمن يخرطش فرداً من اجلها ….

نظرت للاعلى  كان هناك صوت مايكروفون يبدأ هو الاخر  بالسعال تمهيدا للغناء  …

غريب امرهم اليوم  ماذا بهم سكان هذا المجمع  ؟؟!

كان الاخ في الاعلى قد عقد العزم على ترويض جيرانه صوتيا   – فرفع الصوت الى اعلى درجة  –  مستمعا الى لطمية معروفة –  ووقف على الشرفة متشفيا بهم  شاعرا بالرضا عن  نفسه !!

 والاجمل انه اشعل سيجارة  وبدا يزجرني بنظرات النارية ….

يا له  من كابوس !!

حقا ان  افضل ما يمكن ان افعله هو مغادرة بورصة التغابي هذه ..

ااااه كم يحتاج العالم الى عظيم  كهتلر يحرق كل هذا بالكاز الوسخ .

 ان هولوغست اخر سيفيد العالم  كثيرا وسيطهره  لسنوات  ….

يقول نيتشة في كتابه العزيز (هكذا تكلم  زاردشت ) :
((أكثر أشكال الغباء انتشاراً هو أن ينسى المرء الهدف من وجوده

الأفكار هي ظلال مشاعرنا؛ دائماُ أكثر ظلمة, أكثر فراغاً, وأبسط ))

كم  هو محق هذا الرجل …

تامل مثلا  هذه  الفتاة ، وتسائل معي كيف  تجد من  يتزوجها

كيف  تتزوج و تنجب و تتكاثر هذه الكائنات   ؟

 ان محصت الامر ستصل الى نتائج  مبهرة  تتعدى نطاق النقد الانطباعي  وفلسفته ..

  ستسمو اكثر وتكتشف  اشياء  ستقودك  الى الايمان المطلق  بحكمة الله  عبر تبلور عدة خطوط  واضحة س تضعك  على سكة المنطق الصحيح !!!

  في البداية  ستشكر  نعمته  المتمثلة  بانه  اعطاك عقلا ولم  يضع  بصندوق  جمجمتك  تبنا وشعيرا  كذه الفارغة التي  تتمايل  طربا على كلمات تساهم  اكثر واكثر في تحقيرها الذاتي  …!!

 ستسمو  بايمانك  اكثر  عندما تكتشف  مدى سعة رحمة الرب واتساع   رزقه  فهو لا يترك  احدا … حتى الاغبياء والسطحيين والحثالة يجدون  قسمتهم  ايضا في هذه  الحياة !

هذه الفتاة ستجد  حتما  من يتزوجها ويحرق اصابعه  لاجلها  ……..  

 سبحانك  – لم  تخلق غبيا   الا  وارسلت اليه  الاغبى …  سبحانك  يارب  .

                      ******

اغادر راكضا على الدرج قافزا الى سيارتي  مديرا محركها 

اجوب  شوارع (الظاحية) الابية 

لا اعرف اين اذهب ….

 اقترب اخر الشهر  واصبح  البنزين في  سيارتي  ((على شفا  جرف جار ))

 مما  يجعل مشوارا الى حديقة سن الفيل  مغامرة غيرمحمولة العواقب  !!!

اتوجه الى قلب حي السلم  النابض  بكل ما اكره   ..

قاصدا الوصول  الى   صديقي باسم  الذي يعطيني  دوما فسحة  من الامل  بفقدان مزيدا  الامل  …!!

******

يستقبلني باسم   مبتسما  على باب  البيت معانقا ، حالفا انه كان سيتصل بي – كالعادة

 على فنجان القهوة  تفوح  رائحة ذكريات الماضي الجميل في  ليبيا 

ذكريات نحاول  ان نسترجعها   ونعيش داخلها   …

كان  هو الاخر يحلم  كثيرا  , لكن في كل مرة  يستيقظ من حلمه على يده  وهي تعبث بمحفظتة  لتلتقط  اخر 250 ليرة  قبل نهاية الشهر فيبدا  بالهياج  لاعنا كل شيء  

 حالته  المعنوية تحت الصفر  في هذه الفترة  لانه صرف كل ما يملك  من اجل اجراء عملية لعينيه  يتخلص بها من لقب لازمه طوال سنوات عمره  ال26  وارتبط بنظاراته ارتباطا وثيقا ….

نجحت عمليته !!

  ولكنه اصبح  (( عالحديدة ))   ودفع  ضريبة  وسامته  الجديدة غاليا !!

امضيت معه  ساعة …..

 وقبل ان  يبرد  وهج  اللقاء  استاذنته  بالرحيل

 واتجهت نحو سيارتي  لارى  مشهدا  لم  اكن  احلم  به  بأسوأ  كوابيسي ……

                           انتهى الجزء  الثالث  ويليه  الجزء الرابع   

              وائل حسوني

              ((البحار))


رأيان حول “اهلا بك في سبيتي و منصور…. ((الجزء الثالث))

  1. وائل انت رائع … بأفكارك وكلماتك وتسلسل احداث القصص واحساسك المرهف ….. تضيع مني وتهرب الكلمات كيف اصف الشاب الحساس الحنون الجريئ … صحيح ان صداقتنا لم تكن قويه ومن زمن قصير ولكني اعتبرها كأنني عرفتك منذ ولادتك حناني وحبي وعاطفتي لك بمثابة ام لولدها .. اتمنى ان تلتقي بالعائله الكريمه وان تكونوا جميعا بخير …
    تحياتي يا ولدي وائل حسوني ” البحار “

    إعجاب

  2. ان اكبر فخر واعظم مجد اصله هو ان تعتبرني انسانة مثلك كابنها وتشيد بي كاشادتك … اتمنى ان اكون دائما عند حسن ظنك … كما كنت دائما ولا زلت عند حسن ظن … امي …

    شكرا لردك الصادق ايتها الغالية

    إعجاب

أضف تعليق